أمسكت ابنتي ذات العشرين شهراً بالقلم، بدا عليها الفرح وهي ترى أنها بهذا الشيئ الذي أمسكته تستطيع أن تحدث خطوطاً في الورق التي أمامها. ازداد فضولها وأخذت تحرك القلم بطريقة عشوائية، فرأت المزيد من الخطوط.
في اليوم التالي، اكتشفت أنها تستطيع أن تقول بالقلم شيئاً، فرسمت دائرة كبيرة وصرخت بطفولة "هذا بابا"، ثم رسمت دائرة كبيرة أخرى، وهتفت بمرح "هذه ماما"، ثم رسمت دائرة صغيرة وقالت ضاحكة وببراءة "هذه أنا"، واستمرت في تحريك القلم بلذة واندماج، وكلما رسمت شيئا رمزته إلى ما يدور في خاطرها، أي أنها أصبحت تعبر برسوماتها عن أفكارها.
وأتساءل، هل الرغبة في الكتابة غريزة فطرية عند الإنسان أم أنها عادة مكتسبة؟ رؤيتي لابنتي وهي تمسك القلم وترسم به خطوطاً تعبر بها عما في نفسها وهي لا تعلم بعد حروف الأبجدية اللغوية جعلني أتأكد إن الميل إلي الكتابة غريزة فطرية يشعر بها الإنسان عندما يبدأ في أدراك العالم المحيط به.
يطرح طفلي بعد أن تجاوز السادسة من عمرة أسئلة كثيرة أعجز عن الإجابة على بعضها، لأنني لا أستطيع أن أعبر عن حقيقة الأشياء العلمية المعقدة بأسلوب بسيط وواضح يستطيع أبني أن يفهمه، وأحياناً أعجز عن الإجابة لأنني لا أعرف بماذا أجيبه.
سألني يوماً: "لماذا خلق الله الزرافة والقرد؟" احترت بماذا أجيبه ثم قلت له : "أعتقد أن الله خلق الكثير من المخلوقات ومنهم الزرافة والقرد ليثبت للإنسان أنه قادر على الخلق المتنوع الكثير المعقد، وإنه قادر على أن ينظم كل الكون الذي خلقة حتى يؤمن الإنسان بإنه موجود".
سأل:"أين يوجد الله؟"، وصمت قليل لأبحث عن إجابة تبعد الحيرة عن ذهنه وتوجهه إلى الإيمان بوجود الله.
أجبته: "الله مثل النور الموجود في كل مكان، إذا عمل الإنسان عملا طيباً جعل الله نفسه سعيدة ومرتاحة والناس تحبه، وإذا عمل الإنسان عملا شريراً جعل الله نفسه تعيسة وشقية والناس تكرهه، وهو يطالع كل أعمالنا ويرعانا ويهتم فينا.
ويبتعد قليلاً ليلهو مع ألعابه ثم يعود ثانية بتساؤل جديد: "ماما لماذا خلق الله سمك القرش إذا كان مؤذياً؟"
قلت له :"أحيانا يكون الحيوان مؤذي للحيوانات التي معه ولكن في جسمه فوائد للإنسان، يأخذ الطبيب بعض المواد في جسده ويعمل عليه تجارب لكي يكتشف أدوية يعالج بها أمراض كثيرة، وأحياناً يستفيد الإنسان من جلد الحيوان المؤذي مثل النمر".